تبقّى مليون فقط.. عصر الـ5% يفتح باب الصراع الأكبر بين عمالقة التعدين والذكاء الاصطناعي
يتجه البيتكوين إلى أكثر مراحله خطورة بعد تجاوز 95% من إجمالي المعروض، مع تبقّي مليون عملة فقط للتعدين. المقال يشرح تحديات مرحلة الـ5%، وتأثير انخفاض المكافآت وارتفاع الصعوبة، وكيف يدفع ذلك المعدنين للتحول نحو الذكاء الاصطناعي. تحليل شامل لمستقبل التعدين وأمان الشبكة.
مع وصول شبكة البيتكوين إلى محطة فارقة في تاريخها، وتحديدًا بعد تخطي 19.95 مليون عملة مُعدّنة، دخل النظام النقدي للعملة مرحلة جديدة أكثر حساسية وشراسة. لم يتبقَّ سوى مليون عملة تقريبًا سيتم استخراجها خلال أكثر من قرن، وهو ما يفتح الباب أمام فترة معقدة يصفها الخبراء بـ "عصر الـ5%"، حيث يصبح التعدين أكثر صعوبة وأقل ربحية من أي وقت مضى.
الانتقال من الوفرة إلى الندرة
منذ إطلاق بيتكوين عام 2009، اعتمدت العملة على نظام إصدار يتناقص بشكل هندسي وفق آلية “الانقسام النصفي”. ففي البداية، كان المعدنون يحصلون على 50 بيتكوين كل عشر دقائق. ومع كل أربع سنوات تقريبًا، يتم خفض هذه المكافأة إلى النصف، حتى وصلت بعد آخر انقسام في 2024 إلى 3.125 بيتكوين فقط.
ورغم أن الشبكة اقتربت من الحد الأقصى البالغ 21 مليون عملة، إلا أن المرحلة الزمنية نفسها لا تزال في منتصف الطريق. فالجزء الأخير من المعروض سيمتد حتى عام 2140، ما يدل على مدى بطء وتدرّج إصدار البيتكوين.
هذا البطء المتعمد هو ما يجعل البيتكوين سلعة نادرة تضاهي الذهب في محدودية المعروض، بل ويتوقع أن تتفوق عليه من حيث انخفاض معدل التضخم على المدى الطويل. لكن هذه الندرة تأتي على حساب المعدنين، الذين يواجهون الآن أصعب اختبار حقيقي منذ بداية الصناعة.
فخّ الأرباح المنخفضة وصعوبة التعدين
تبدو البيانات الحالية على السلسلة واضحة: دخل المعدنين يمر بأحد أسوأ فتراته. فقد انخفض مؤشر Hashprice إلى مستويات تقترب من 38 دولارًا لكل PH/s يوميًا، وهو أدنى مستوى خلال عام كامل، مقارنة بفترات الازدهار التي كانت تتراوح فيها الأرباح بين 80 و100 دولار.
المشكلة الكبرى ليست فقط انخفاض الأرباح، بل استمرار ارتفاع صعوبة التعدين. فعلى الرغم من الخسائر، لم ينخفض معدل الهاش للشبكة، وبقي قريبًا من 1.1 ZH/s، ما يعني أن المنافسة على المكافآت لا تزال شرسة.
ويرجع هذا لعدة أسباب:
- عقود استضافة طويلة تجبر المعدنين على استمرار التشغيل.
- استثمارات ضخمة لا يمكن تجميدها بسهولة.
- محاولات للبقاء في السوق حتى لو بأرباح هامشية أو خسائر بسيطة.
هذا الوضع يضغط على الشركات بشدة، ويدفع الأضعف منها إلى الخروج من السوق تدريجيًا لصالح كيانات أكبر تمتلك طاقة تشغيلية أرخص وقدرة أعلى على تحمل الهبوط.
التحوّل التاريخي نحو الذكاء الاصطناعي
مع تضاؤل ربحية التعدين، بدأت موجة جديدة تجتاح القطاع: التحول نحو الذكاء الاصطناعي.
فالبنية التحتية التي تستخدمها شركات التعدين — من طاقة كهربائية هائلة وتبريد ومراكز بيانات — يمكن إعادة توظيفها بسهولة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي أو أنظمة الحوسبة عالية الأداء.
وبحسب تقديرات VanEck، فإن مجرد تحويل 20% من طاقة المعدنين نحو الذكاء الاصطناعي قد يضيف ما يصل إلى 38 مليار دولار من الأرباح السنوية للصناعة.
وقد بدأت شركات كبرى بالفعل اتخاذ هذه الخطوة:
- Bitfarms قللت أعمال التعدين وبدأت في التركيز على خدمات الذكاء الاصطناعي.
- شركات أخرى في تكساس والدول الإسكندنافية تحوّل مراكزها تدريجيًا إلى حوسبة AI.
- شركات مثل Coreweave وHive Digital تعيد تشكيل القطاع بالكامل.
مما يعني أن "معدّن الغد" لن يكون مجرد عامل تعدين، بل شركة طاقة وحوسبة متعددة الوظائف تعتمد التعدين كجزء ثانوي من مصدر دخلها.
سؤال القرن: من سيؤمّن شبكة البيتكوين في المستقبل؟
مع اختفاء المكافآت تدريجيًا، يعتمد البيتكوين على رسوم المعاملات لتغطية تكاليف تشغيل الشبكة. لكن هذه الرسوم اليوم متقلبة ولا يمكن الاعتماد عليها لتحقيق دخل ثابت.
صحيح أن بروتوكولات مثل Inscriptions وRunes أثارت فترات من الرسوم العالية، لكن الطلب الأساسي على المساحة في الكتل لا يزال متذبذبًا.
وهذا يثير مخاوف لدى بعض الخبراء، بينهم Justin Drake الذي حذر من احتمال انخفاض "ميزانية الأمان" للشبكة إذا لم ترتفع الرسوم أو الأسعار مستقبلًا، وهو ما قد يؤثر على أمان شبكة البيتكوين بأكملها.
مرحلة الـ5%: البداية وليس النهاية
رغم أن الوصول إلى 95% من المعروض يعكس قوة البيتكوين كمخزن للقيمة، إلا أنه يمثل أيضًا نقطة انطلاق لمرحلة أصعب للمعدنين.
فبعد 16 عامًا من الدعم البروتوكولي والربحية العالية، أصبح القطاع اليوم أقرب لصناعة سلعية شديدة التنافسية تعتمد على إدارة الطاقة والتوسع المالي والبحث عن مصادر دخل بديلة.
والواضح أن الشركات التي ستنجو لن تكون مجرد "مزارع تعدين"، بل مؤسسات عملاقة تجمع بين الطاقة والحوسبة والتعدين في نموذج اقتصادي واحد.
ومع بقاء مليون عملة فقط، فإن السنوات القادمة ستحدد شكل شبكة البيتكوين لعقود طويلة، وقد تُعيد رسم موازين القوى داخل الصناعة بالكامل.
