في مواجهة أزمة الجفاف المتواصلة وتداعيات التغير المناخي، يتحرك المغرب بخطوات جريئة نحو حلول مبتكرة تضمن حماية موارده المائية. ومن بين أبرز هذه الحلول، برز مشروع فريد يتمثل في تركيب ألواح شمسية عائمة فوق سطح سد طنجة المتوسط، في تجربة تُعد الأولى من نوعها على المستوى الوطني.
الألواح الشمسية العائمة في المغرب Morocco ابتكار يحمي المياه ويولّد الطاقة
هذه المبادرة البيئية تهدف إلى تقليل تبخر المياه من جهة، وتوليد طاقة نظيفة من جهة أخرى، ما يجعلها مشروعًا ذا بعد مزدوج: حماية مورد حيوي وإنتاج الكهرباء في آن واحد.
مشروع بيئي بتقنية جديدة
يبعد سد طنجة المتوسط حوالي 45 كيلومترًا عن مدينة طنجة، ويغطي جزءًا من مسطحه المائي نحو 10 هكتارات من الألواح الشمسية العائمة. هذا المشروع يسعى لتقليل التبخر الناتج عن أشعة الشمس المباشرة، وفي الوقت نفسه يمدّ ميناء طنجة المتوسط بطاقة كهربائية متجددة.
الجفاف المستمر لسبع سنوات متتالية وارتفاع درجات الحرارة القياسية تسببا في فقدان المغرب لمئات الملايين من الأمتار المكعبة من مياه السدود سنويًا. وتشير بيانات وزارة التجهيز والماء إلى أن معدل التبخر بلغ خلال السنوات الأخيرة نحو 530 مليون متر مكعب سنويًا، وهو ما يجعل هذه الخطوة ضرورية للحفاظ على ما تبقى من المخزون المائي.
تفاصيل فنية واستثمار ضخم
المشروع أُطلق سنة 2024 بشراكة بين وزارة التجهيز والماء، وكالة الحوض المائي اللوكوس، وعدد من المؤسسات العمومية والخاصة. ويتضمن:
- تركيب أكثر من 22 ألف لوحة شمسية بنظام عائم مرن يتكيف مع تغيّر منسوب المياه حتى 41.5 مترًا.
- مقاومة رياح قد تصل سرعتها إلى 200 كلم/ساعة، مع نظام مراقبة لحظي عبر GPS.
- إنتاج طاقة تصل إلى 13 ميغاواط كريستال (MWc) بتكلفة استثمارية تقارب 130 مليون درهم (حوالي 13 مليون دولار).
- تقليص التبخر بنسبة تُقدّر بـ40%، وهو ما يساهم في الحفاظ على ملايين الأمتار المكعبة من المياه.
خطوة للتوسع الوطني
المغرب يملك اليوم أكثر من 154 سدًا كبيرًا و150 سدًا صغيرًا ومتوسطًا، وهو ما يجعل تعميم هذه التقنية أمرًا واردًا. بالفعل، تُجرى دراسات لإطلاق مشاريع مماثلة في سد لالة تكركوست قرب مراكش، وسد وادي المخازن الذي يُعد الأكبر في شمال البلاد.
بين الإشادة والتحفظ
الخبراء يرون في هذه المبادرة مكسبًا حقيقيًا، لكنها في الوقت نفسه ليست كافية أمام حجم الأزمة. فالمغرب يفقد سنويًا ما يقارب مليار متر مكعب من المياه بالتبخر، بينما لم تتجاوز نسبة ملء السدود في صيف 2025 حاجز 35%، مقارنة بـ70% قبل عقد من الزمن.
ويرى مختصون أن نجاح هذه المشاريع مرهون بدمجها ضمن سياسة وطنية شاملة تعالج جذور الأزمة: من مراجعة أنماط الزراعة المستنزفة للمياه، إلى ترشيد الاستهلاك وضمان عدالة توزيع الموارد.
رؤية مستقبلية
الألواح الشمسية العائمة خطوة طموحة وواعدة، لكنها لن تكون الحل السحري وحدها. مستقبل الأمن المائي في المغرب سيتوقف على مدى قدرة الدولة على توسيع مثل هذه التجارب ودمجها مع إصلاحات أوسع تتعلق بالاستخدام الرشيد للمياه والتكيف مع التغير المناخي.